1. هناك أمور لا دخل للإنسان فيها، فهو مسير فيها رغما عنه كلون بشرته، ونوعه ذكراً أو أنثى، وكجنسيته، وكمولده في التاريخ الذي ولد فيه، فهذه أمور لا دخل للإنسان فيها، ولذلك لا يحاسب عليها.
2. وما عدا هذه الأمور، وهي المساحة الواسعة في حياة الإنسان داخلة في اختيار الإنسان وحريته، فالإنسان هو الذي يقرر هل سيلتزم بمنهج الله، أم يتمرد عليه؟ ويقرر: هل يسكن هنا أم هناك؟
3. لكن هذه الأمور التي يقررها الإنسان قد سبق في علم الله تعالى على أي وجه ستكون، فالإنسان لا يعلم سيتزوج من في دنياه قبل الزواج، ولكن الله يعلم من قبل أن يخلق الإنسان من ستكون زوجته، فعلم الله يحيط بهذا كله، وقد أودع الله في كتابه المحفوظ كل أفعال العباد واختياراتهم وآمالهم وآلامهم وديانتهم وغير ذلك، وليس معنى هذا أنه أجبرهم على هذه الأمور، ولكنه علم بعلمه المحيط دقائق هذه الأمور قبل أن تقع. يقول تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.
ولتقريب هذا المعنى نضرب هذا المثال: بينما يجلس أحد الآباء مع أولاده إذا بصديقه يطرق عليه الباب، فأراد الأب أن يصرف أولاده ليصفو له الجو مع صديقه، فأعطى لكل ولد من أولاده دينارا ليتفرقوا من حوله، وأعطاهم حرية التصرف في هذه الأموال. ثم أقبل الرجل إلى صديقه يحدثه فقال له : أنا أعلم تحديدا ماذا سيفعل كل ولد بما معه من مال، فقال له وماذا سيفعلون، فقال: أما الأكبر فإنه سيدخر ديناره ولن ينفق منه شيئا مهما كثرت المغريات أمامه، وأما الأوسط فإنه سيتصدق به، ولن يأخذ منه شيئا لنفسه، وأما الأصغر فإنه سيشتري به حلوى نوعها كذا.
وبينما هما كذلك إذ أقبل الأولاد الثلاثة، وقد صنع كل واحد منهم مثلما أخبر عنه أبوه وكأنما كانوا ينفذون خطة مدروسة، أو صفقة محكمة، فتعجب الصديق، فقال له الأب : إنهم أولادي وأنا أعلم بهم. – ولله المثل الأعلى- فالله تعالى يعلم من عباده ماذا سيفعلون فكتب ذلك كله فتأتي أفعالهم على وفق المكتوب تماما وكأنهم يؤدون أدوارا في تمثيلية مكتوبة